Monday 16 March 2009

"الاستعمارين الجدد ... لماذا يستهدفون السودان؟"

سأعلق باذن الله على مقالة السيد زهره "الاستعمارين الجدد ... لماذا يستهدفون السودان؟" في جريدة أخبار الخليج الصادرة يوم الاثنين 16 مارس 2009.

يذكر السيد زهره أن سبب اصدار قرار باعتقال رئيس الحكومة السودانية هو الاستعمار الجديد، والذي يطمح إلى الاستفادة من ثروات السودان وخصوصا النفط.

"ينبغي ان نسجل هنا ان اغلب حقول النفط في السودان توجد في الجنوب وفي دارفور، وان كل التقديرات تشير الى ان الاحتياطيات النفطية التي يمتلكها السودان كبيرة جدا."

أغلب حقول النفط السودانية الموثقة موجودة في الجنوب في أحواض الموقلاد والميلوت ولا ذكر لذلك في دارفور، حسب احصاءات هيئة معلومات الطاقة الأمريكية والتجمع الأوروبي للنفط في السودان. كما ان احتياطات النفط في السودان تبلغ 5 بليون برميل، بالكاد تكون "كبيرة جدا" عندما نقارنها باحتياطات السعودية والتي تبلغ 200 بليون برميل.

كما أن هناك دولا أفريقية أخرى لديها احتياطات نفطية أكثر من السودان: أنجولا (8 بليون برميل)، الجزائر (12 بليون برميل)، نيجيريا (36 بيلون برميل)، وليبيا (42 بليون برميل). فهل كل الحروب التي جرت أو تجري في هذه الدول من أجل النفط؟ الحرب الأهلية الجزائرية من أجل النفط؟

المصدر: http://www.eia.doe.gov/emeu/cabs/Sudan/Oil.html

فإن أراد الغرب احتلال السودان فإن جنوب السودان هو أفضل سبيل، وليس عليهم ايجاد حربا بديلة في غرب السودان.

"واصدرت (الأمم المتحدة) تقريا (كما هو) في مطلع 2005، اعتبرت فيه، وعلى عكس ما ذكره الكونجرس، ان الميليشيات في دارفور تنتهك حقوق المدنيين مثل الحكومة. واقرت الامم المتحدة انه لم تحدث عمليات إبادة جماعية في دارفور."

للأسف لم يذكر لنا السيد زهرة تتمة تقرير الأمم المتحدة. ولكن قبل ذلك، يجب أن نعرف ماهية تعريف "الإبادة الجماعية" في المجتمع الدولي. فإن هذه الجملة لها معنى معين ويستخدم في نطاق ضيق، فليس كل قتل أو جريمة حرب تعتبر إبادة جماعية. أغلب المحللين يعرفون الإبادة الجماعية بالتدمير المتعمد والمنهجي، كليا أو جزئيا، لجماعة دينية أو عرقية أو قومية. ومثال ذلك هو الإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا.

ونرجع إلى التقرير الكامل للأمم المتحدة والذي يترجم كالتالي: "فإن اللجنة خلصت إلى أنه في حين أن الحكومة السودانية لم تتبع سياسة الإبادة الجماعية ، فإن قواتها وميليشيا متحالفة معها "شنت هجمات عشوائية، بما في ذلك قتل المدنيين والتعذيب وحالات الاختفاء القسري ، وتدمير القرى ، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، أعمال النهب والتشريد القسري ". وتوصلت اللجنة الى ان" الجرائم الدولية مثل الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت في دارفور قد لا تقل خطورة وبشاعة عن الابادة الجماعية."

وهذا هو التعبير الكامل لللجنة. أي أن اللجنة ترى أن القتل الذي حدث في دارفور يوازي الإبادة الجماعية من حيث بشاعتها. فحسب تقدير الهيئات الدولية فإن ما بين 200 ألف و500 ألف شخص قتل في دارفور وشرد أكثر من 2.5 مليون فرد.

وفي مارس 2005، طلب مجلس الأمن من المحكمة الجنائية الدولية استلام ملف دارفور. ويقول السيد زهره:

"ومعنى هذا بالمناسبة، ان المحكمة الجنائية الدولية التي لم تحقق هي بنفسها فيما يحدث في دارفور، حين قررت ان ما يحدث هو جرائم حرب وإبادة ترتكبها الحكومة السودانية، تجاهلت كل التقارير الدولية التي نفت ذلك، ولم تأخذ إلا بما قرره الكونجرس الامريكي وبما قرره بوش، ودون أي تحقيق."

وهذا ليس من الانصاف. فإن مجلس الأمن أرسل تقرير الأمم المتحدة عن دارفور إلى المحكمة عندما طلبت منها استلام ملف دارفور. وفور ذلك، أرسلت المحكمة وفدا إلى دارفور لتقصي الحقائق.

ومن الطريف معرفة أن الولايات المتحدة والصين امتنعتا عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن بارسال ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية. فإن كان الأمر كما يذكر السيد زهره، فإن الولايات المتحدة كان يجدر بها أن تصوت لصالح القرار وأن تصوت الصين ضد القرار.

ومن الطريف أيضا، معرفة أن الولايات المتحدة لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية! فكيف يذكر الكاتب بأن أمريكا تعمل من خلف الكواليس في حين إنها لا تعترف بالمحكمة؟

وينقل لنا السيد زهره: "كتبت (جولي فلينت) في 13 يوليو 2008 في صحيفة "اوبزرفر" البريطانية تقول: "بعض المعلقين يعتبرون البشير رمزا للشر. وهذا غير صحيح وتبسيط مخل. البشير براجماتي يستجيب للمبادرات. فلقد تفاوض لانهاء حرب اهلية استمرت 20 عاما في الجنوب سعيا وراء السلام. لكنه ايضا صلب ومعتز بنفسه ويرد على أي نيل من كرامته بغضب وحدة"."

كرامة الدولة والشعب أكبر وأعمق من كرامة أي فرد، وإن كان رئيس الدولة. فإن أغضبنا البشير، وجعله يقتل أبرياء دارفور، فهل هذا العيب فينا؟ أغضب البشير يساوي مقتل 200 ألف شخص على الأقل في دافور؟

وأخيرا، مربط الفرس هو: هل تم قتل 200 ألف شخص في دافور على يد الحكومة السودانية؟ فإن كان الجواب بنعم، فإن كل الدوافع السياسية أو حقول النفط، او الاستعمار الجديد كأسباب لمذكرة توقيف البشير لا معنى لها. فقد كان أحرى بالكاتب أن يعترف بمقتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ.

وما نصيحة الكاتب لحل مأساة دارفور؟

"فإنه لا مفر من جهد عربي فوري لوضع حد للصراع في دارفور وفرض السلام في اطار عربي افريقي. هذا وإلا فإن البديل مروع."

وضع حد للصراع؟ أي صراع؟ هناك مذبحة. أي يجب وضع حد للمذبحة أولا. ثم فرض السلام، و من ثم معاقبة المسؤولين عن المذبحة. فالمسؤول عن القتل سيقتل مرة أخرى في منطقة أخرى. يجب أن يعرف الجميع أن قتل الأبرياء لن ينتهي إلى اللامبالاة، وأن القاتل سيعاقب.

No comments:

Post a Comment